الجزائريون واحتفالات المولد النبوي الشريف ترديد المدائح النبوية.. مفرقعات.. وإشعال الشموع.. ختان، تلك هي أبرز ما يميز احتفالات الجزائريين بذكرى المولد النبوي الشريف... ففي العاصمة وفي أقدم أحيائها كحي القصبة، الذي لا يزال يحتفظ بطابعه العمراني منذ العهد العثماني ـ تبدأ مظاهر الاحتفالات بالذكرى قبل شهر من حلول المولد النبوي، حيث تقوم النساء بتزيين المنازل والشرفات بباقات الياسمين التي تكون زينة للناظرين، بينما يلفت نظر المار عبر أزقتها الضيقة أنها معبقة بروائح الطيب والبخور المنبعثة بكثافة من المنازل ومحلات الأدوات التقليدية.
في ليلة المولد النبوي الشريف يغادر الرجال منازلهم نحو المساجد للابتهال والاستماع إلى المدائح النبوية وحضور حفلات الختان، بينما تلتقي النساء في منزل الجارة الأكبر سنا لاحتساء الشاي وتتباهى كل منهن بالحلويات التي طهينها وجلبنها معهن، ويمضين الوقت في لعب الفوازير التي يطلق عليها الجزائريون ‘’البوقالة’’ إلى حين عودة أزواجهن من المساجد.
في صباح يوم المولد النبوي يرافق الأطفال الذين تم ختانهم آباءهم في جولة عبر أزقة الحي ليراهم الجميع، وكأن الطفل يقول: ‘’ها أنا قد أصبحت رجلاً’’، ومن أجمل العادات الحميدة التي ألفها الجزائريون تسمية جميع المولودين في هذه المناسبة بأسماء مثل ‘’محمد، بالقاسم، مولود، مصطفى.. وغيرها من أسماء الرسول (صلّى اللّه عليه وسلّم).
ترديد المدائح
إذا كان هذا هو الحال في حي القصبة العريق بوسط البلاد فإن أهالي عاصمة شرق البلاد ‘’قسنطينة’’ لهم طقوس أخرى إذ يقضي الرجال ليلة المولد في المساجد إلى غاية صلاة الفجر ومنهم من يتوجّه للميادين العمومية للاستماع إلى الفرق التي تردد المدائح النبوية حتى الساعات الأولى من الفجر.
أما في منطقة غرداية فإن عيد المولد النبوي الشريف له نكهة خاصة؛ إذ لا يكتفي ‘’المزابيون’’ بيوم واحد للاحتفال بل يبدأون الاحتفال بأسبوع قبل حلول الذكرى، حيث ينظم الرجال حلقات للذكر وترديد المدائح النبوية في كل حي من أحياء المدينة والمناطق المجاورة.
أما ليلة المولد، فتكون موعداً للأطفال مع الملابس الجديدة، التي عادة ما يفضلونها، كما يرتدون العباءات الفضفاضة أيضاً التي يطلق عليها ‘’المالكية’’، ويستمرون في اللعب في الشوارع إلى أن يحين موعد أذان العشاء، وتلك الليلة الختامية يقضيها الرجال في المساجد إلى حين صلاة الفجر.
مفرقعات تفسد الفرحة
إذا كانت احتفالات الشعب الجزائري بعيد المولد النبوي مسألة تبعث على الفرح، فإن المبالغة في مظاهر الاحتفال تكاد تُفقد هذه الذكرى السعيدة معانيها السامية، فآلاف الأطنان من المفرقعات أصبحت تغزو الأسواق وباعة الأرصفة قبل حلول المولد بعدة أشهر، فعلى سبيل المثال بدأ لعب الأطفال بالمفرقعات هذا العام قبل شهرين من حلول الذكرى، ومع اقتراب يوم المولد النبوي تصبح الشوارع جحيماً لا يطاق في غياب رقابة الدولة على الرغم من صدور قوانين واضحة تمنع استخدام أو جلب أو نقل أو حيازة المفرقعات، إلا أن الباعة يعرضونها للبيع على الأرصفة دون أي تدخل من مصالح الأمن على الرغم من الأضرار التي يتعرض لها مواطنون أبرياء.
‘’الطمينة’’ والمدائح الدينية
تبدي الأسر الجزائرية اهتماما كبيرا بهذا الاحتفال... إذ تستيقظ الأمهات مبكرا لطهي ‘’ الطمينة’’، وهي وجبة صباحية تصنع من السميد المسقي بالسمن والعسل.
كما تشهد الزوايا بدورها نشاطا متميزا وملحوظا بحيث يمكن اعتبار هذا اليوم عيدا للزوايا، والطرق الصوفية، ويتكرر ذلك في كل المدن الكبرى منها الصغرى. حيث تقام أمسيات يدعى لحضورها الأقارب والأصدقاء للاستماع إلى القراء ‘’الطلبة’’ وهم يرتلون آيات القرآن الكريم جماعيا، ويؤدون المدائح النبوية، ثم يتناولون وجبة العشاء التي تضم أطباق الكسكسي اللذيذ، والشاي المنعنع، ثم الدعاء لرب المنزل صاحب المأدبة ولسائر المسلمين.
للإشارة، تبدأ الجلسات بالذكر المجرد، تتناوب خلالها القصائد في تمجيد اللّه (عزّ وجلّ) ورسوله (صلّى اللّه عليه وسلّم)، ورغم هذه العادات والطقوس، فإن العديد من العلماء في الجزائر يستقبلون المولد النبوي الشريف، مع قدوم غرة ربيع الأول بإلقاء الخطب والدروس والمواعظ عبر مختلف المساجد، يحذرون فيها المسلمين عامة من البدع والخرافات والمخالفات الشرعية، ويؤكدون على أهمية تربية النشء على أخلاق الرسول الكريم واستلهام الدروس والعبر من سيرته العطرة، والاقتداء والتأسي به (صلّى اللّه عليه وسلّم) في قسنطينة، تكون الزوايا على غرار زاوية بن عبد الرحمان وزاوية سيدي راشد قلعة لحلقات الذكر والمدائح وتلاوة القرآن الكريم وتجويده والتنافس على الصدقة والإطعام، حيث تملأ القصاع بـ الثريدة أو الشخشوخة أو التليتلي، بالإضافة إلى الزلابية التي توضع عند مدخل المساجد التي يتم تنظيفها وتعطيرها بالبخور والجاوي وتنويرها بالشموع في كل زاوية.
يظهر الطابع التقليدي للاحتفال في المنازل القديمة التي تحتوي على وسط الدار أين يجتمع الجيران، في السهرة، تكون الحنة هي السيدة وسط الشموع الملونة والبخور والجاوي والبيض الملون، والمدائح الشعبية التي ترددها النسوة.
أما في الطارف فيزين طبق العصيدة الموائد، حيث تستيقظ الأمهات باكرا لطهي العصيدة، تحضر من السميد المسقي بالسمن والعسل، وتشهد الأضرحة والزوايا بدورها نشاطا متميزا وملحوظا، حيث يمكن اعتبار هذا اليوم عيدا للزوايا والطوائف الصوفية، ويتكرر ذلك في أغلب مدن ولاية الطارف.
كما تقام أمسيات يدعى لحضورها الأقارب والأصدقاء للاستماع إلى القراء وهم يرتلون آيات القرآن الكريم ترتيلا جماعيا، ويؤدون المدائح النبوية، ثم يتناولون وجبة العشاء التي تضم أطباق الكسكسي التقليدي اللذيذ، وشرب الشاي بالنعناع.
أما بالمدية، فيعكف سكانها على اقتناء الشموع بعدد أفراد الأسرة، ومن ثم يختار كل فرد من أفرادها شمعته ويسمّيها باسمه ويشعلها، والأخير الذي تنطفئ شمعته ـ حسب الأسطورة ـ يعد صاحبها طويل العمر. وفي هذا الصدد تبقى العائلة مستيقظة تنتظر من تنطفئ شمعته آخرا.
كما تحضّر النسوة طبق الكسكسي أو الرشتة مع الدجاج ومرق الكوسة والحمص.
على غرار باقي الولايات، تشهد شوارع وادي سوف حركية كبيرة يصنعها الصبية فرحا بالمولد متجهين صوب المساجد، بعد أن جمعوا كميات كبيرة من المفرقعات ليتسلوا بها هناك، كما تسمي العائلات اللاتي ترزق بصغير أيام المولد النبوي «المولدي» أو»ميلود« أو»مولود» تبركا بهذا اليوم.
أما في صبيحة يوم المولد النبوي الشريف، فتتم قراءة كتاب عن سيرة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم من ولادته المباركة حتى وفاته عليه السلام بأسلوب قصصي مشوق، يمزج بين النثر المسجوع والشعر المقفى الموزون.
كما لا تزال الأسرة الجيجلية تحافظ على بعض العادات الموروثة ابتهاجا بمولد المصطفى (ص)، منها على وجه الخصوص إعداد أطباق الفتات والكسكسي، إضافة إلى طبق أغروف أو البغرير والذي يسبق المولد بأيام وهو الشأن نفسه بالنسبة للطمينة.
من المظاهر التي تطبع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لدى سكان تندوف، تقوم العائلات بتحضير الحناء وتزيين الأيادي والأقدام ليلة المولد، اعتقادا منها بالفأل الخير والبشرى التي تأتي مع مولد خير البرية محمد رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، وتشمل العملية الكبار والصغار. كما تُنظم عمليات ختان جماعي للأطفال وذلك قصد ترسيخ مفاهيم الجماعة والاتحاد في نفوس الصغار. من جهة أخرى، تقوم العائلات بإعداد طعام الكسكسي والمردود، ويتم توزيعها على المساجد وإطعام عابري السبيل وهو بمثابة صدقة. فيما تشهد الساحات العمومية حفلات دينية تنظمها الفرق الإنشادية مرددة عبارات توحي بعظمة الرسول (ص) منها «يسعد أمك يا حليمة.. زاد النبي وفرحنا بيه.. سيدي يا مولانا».
تحياتي الخالصة
عاشقة بوغي بوغرة