اكتست أرصفة وطرق بعض الأحياء الشعبية، شرقي العاصمة، لون الرماد، الذي يعد شاهدا على ما حدث خلال الأيام الأخيرة، حيث تفننت المصالح البلدية في إزالة كل ما يدل على أن العاصمة عاشت ليالي مضطربة. في نفس الوقت، تلوح في الأفق أزمة بنزين، حيث شرع البعض في تخزينه مما أدى إلى فقدانه في العديد من محطات ''نفطال''.
وفضل العديد من العاصميين التزام بيوتهم وعدم المغامرة خارج أحيائهم، خوفا من اندلاع أحداث مشابهة للتي شهدتها المدينة خلال الأيام الفارطة، فيما تشكلت طوابير طويلة أمام محطات البنزين خوفا من نفاد هذه المادة، حيث لم يخف العديد من أصحاب السيارات، أنهم سيقومون بتخزين كميات من البنزين لاجتناب الأزمة في حالة اختفائه من محطات البنزين، البعض من هذه الأخيرة جفت خزاناتها بفعل الطلب المتزايد. في نفس السياق، تذكر العاصميون أيام الادخار؛ حيث سارعت العديد من العائلات لادخار السميد وبعض الحاجيات الضرورية، رغم أن المحلات لم تغلق أبوابها، ولم يتم تسجيل نفاد هذه المادة أو تلك. الجدير بالذكر أن العديد من المواقع والأحياء التي عرفت مشادات عنيفة خلال الأيام الأخيرة، لا تزال فيها التغطية الأمنية ضعيفة حتى لا نقول منعدمة. وهو ما قد يفسّر تجدد المشادات في كل مرة.
براقي... جهاز تلفاز مقابل ألفي دينار
وجهتنا كانت دائرة براقي، وبالتحديد مصنع أجهزة التلفزيون ''كونتينونتال''، حيث تناقل سكان العاصمة، انه تعرض لعملية تخريب واسعة، أتت على كل ما به من تجهيزات كهرومنزلية. عند وصولنا، دعانا صاحب المصنع للالتقاط الصور، غير أنه رفض الإدلاء بأي تصريح.
بداخل المرفق، كانت صور أجهزة التلفاز المدمرة متناثرة في كل زوايا المصنع، وعلى مستوى الطوابق الثلاثة. وقال أحد العمال الذي كان حاضرا، ليلة الإنزال ''حوالي 500 شخص، أغلبهم مراهقين أخذوا ما أخذوا وكسروا ما تبقى، بعضهم جاؤوا على سيارات نفعية''. وقد وجد هؤلاء الوقت الكافي لقضاء ''حاجاتهم''؛ حيث لم تأت مصالح الدرك لتفريقهم إلا في حدود الساعة الحادية عشرة ليلا، خمس ساعات بعد بداية الأحداث. ويتناقل سكان براقي، أن أجهزة التلفاز المسروقة من المصنع تقترح للبيع مقابل ألفي دينار.
''سأعتقلك وأكسر هاتفك''
عند خروجنا من المصنع، شاهدنا أن مصالح الدرك ألقت القبض على مراهقين حاولوا سرقة بعض الأجهزة المتناثرة خارج المرفق، غير أنه بعد قيام المصور بالتقاط صورة، تعرضنا للتوقيف من قبل أعوان الدرك، وأجبر المصور على حذف الصورة. غير أن أحد الدركيين أصر على أخذ هاتفنا، وبعد رفضنا منحه الهاتف النقال لأنه كان في الجيب ولم يتم به التقاط أي صورة، راح أحدهم يطلق اتهامات خيالية ''ما دام ترفض منحنا الهاتف ففيه بكل تأكيد صور خليعة، ليزايد قائده ''سنعتقلك ونكسر هذا الهاتف''. وتم إشعار فرقة الدرك لنقلنا إليها، لأن ذنبنا الوحيد أننا التقطنا صورة أثناء أدائنا مهامنا، وبعد ساعة من التوقيف، تم إخلاء سبيلنا. وإن كانت العاصمة عاشت أمس، يوما هادئا، فإن المخاوف تتزايد مع اقتراب الليل، حيث تتجدد المواجهات في العديد من الأحياء، حيث يتحصن العاصميون بمنازلهم، ويتفادون الخروج إلا للضرورة القصوى.